لا يصنع الحدث ثورة ... ولا يطلق الجوع حركات تغييرية في المجتمع 

لا يصنع الحدث ثورة ... ولا يطلق الجوع حركات تغييرية في المجتمع 

Whats up

Telegram

لا يصنع الحدث ثورة 
ولا يطلق الجوع حركات تغييرية في المجتمع 
أينما حللت تسمع جملة واحدة ، شعب ما بيفهم ، وناس غشيمة مش عارفة مصلحتها تسمع هذه الجملة من عامة الناس ومن قيادات الأحزاب المحلية و القيادات الموجودة في المنطقة الوسطى مابين السُفلى والعليا .
واحد من هذه القيادات أتحفني بحكاية أضحكتني :
في ضيعتنا كما في كل لبنان مشكلة إنقطاع المياه ، وأنتجت هذه المشكلة، مشكلة شراء المياه من قبل متوسطي الحال والفقراء ، وشعورا من هذا القائد الوسطي مع الناس قرر وبعض قيادات الأحزاب زيارات الى الأهالي وتحريضهم على المشاركة في إضراب يطالبون بواسطته  تأمين المياه .
 لبى الدعوة عدد قليل جدا من الناس لا يكفي لإنجاح الإضراب . طبعا أكمل حديثه بالجملة المشهورة : ناس غشيمة مش عارفة مصلحتها ، ونحن مش قادرين نعمل شي .
تفاجأ عندما قلت له : هذا هو حجم أحزابكم في الضيعة وهذه هي قوتكم ، لذلك يجب أن لا تستغرب ذلك من الناس بل عليك مراجعة خططكم الحزبية التي ضربت بعرض الحائط خطة الوصول الى الشعب ، وانكفاء الناس عن الإنخراط في أحزابكم .
تسمع عن موت طفلة بسبب عدم تأمين الدواء لها وتقرأ مباشرة : سلطة فاسدة وناس نايمة وما بعرف شو ناطرين الناس حتى يثوروا ويغيروا النطام .
تسمع كلاما كبيرا عن أزمة الدواء ويعقبه مباشرة : وين الناس ليش ما بتنزل على الشارع وبتطالب بتغيير النظام .
يرتفع سعر الدولار ترتفع الأسعار ، تصبح ربطة الخبز بخمسة آلاف ، وكيلو البندورة بستة  آلاف وما فوق ، وغالون الماء بعشرة آلاف ليرة ، فتسمع من يقول ،
كتير هيك والله ما عاد الوضع ينحمل لازم الناس تنزل الى الشارع .
أكتفي بهذا القدر من الأمثلة لأنه يوجد مئات الأمثال التي تشبهها .
بعضنا يعتقد أن الحدث يصنع ثورة، وبعضنا يعتقد أن الجوع والفقر  والحاجة يصنعون ثورة ، لذلك يستغربون ما يحصل في بلادنا ويتساءلون ،كيف لا يثور الناس وهم ينامون ببطون فارغة .
يقول الإمام علي :
أعجب لمن يجوع ولا يشهر سيفه.
 بعضهم اعتبرها دعوة للقتال من أجل لقمة العيش قد يكون هذا معنى من معانيها ولكنها تحمل أيضا معنى آخر يؤكد أن الجوع لا يدفع لشهر السيف ، لذلك لم نجد في تاريخ الصراعات التي نشأت بعد موت الرسول محمد صراعا يقوم على سد حاجات الناس ، وهذا تأكيد على أن الجوع لا يصنع ثورة .
إن استراتيجيا التفقير التي راهن على استغلالها  الماركسييون  واستغلال الفقراء والمحتاجين سقطت، لأنهم اعتمدوا على الحاجة المادية دون اللجوء الى الثورة الثقافية ، لذلك وجدنا مثقفين ماركسيين وثقافة ماركسية وسط نخبة من الناس لكننا لم نجد حركة جامعة لفئات الشعب تكون مقدمة لثورة يقودها ما ركسيون . لذلك على الماركسيين أيضا مراجعة استراتيجية التفقير والتعتير باستراتيجية البعث الثقافي والفكري .
وقبل الشروع في الحديث المختصر عن التغيير والثورة والفكر الثوري والعقيدة الثورية  لا بد لنا من أن نستحضر قصة ستالين مع الدجاجة :
 
قرَّر ستالين في إحدى المناسبات أن يلقِّن أعوانَه درساً في الديكتاتورية والحنكة السياسية، فطلب دجاجة حية، وأمسك بها بقوة، وبدأ ينتف ريشها بيده الأخرى، رغم أن الدجاجة حاولت التحرك بقوة لتُخلِّص نفسها من هذا العذاب، لكن دون جدوى، نتف ستالين ريشها بالكامل، وقال لأصدقائه: "الآن ترقبوا ماذا سيحصل".
وضع ستالين الدجاجة على الأرض، وابتعد عنها وبيده قليل من الشعير، فوجئ الجميع وهم يرون الدجاجة المرعوبة تركض نحوه وتتعلق ببنطاله، فرمى لها شيئاً من الطعام بيده، وابتعد، وبدأ يتنقل في أرجاء الغرفة والدجاجة تتبعه أينما ذهب، عندها التفت ستالين إلى رفاقه المذهولين، وقال بهدوء لأعوانه "هكذا يمكنكم أن تحكموا الشعب، أرأيتم كيف تلحقني هذه الدجاجة رغم ما سبَّبته لها من ألم.
ليس من باب التجريح ولا من باب الفظاظة ولكن من باب الحرص على مستقبل أجيالنا هل ترضى الأجيال الآتية أن تكون دجاجات كدجاجة ستالين ، الأمر لها والمصير بين يديها  ، لأننا في باخرة واحدة ، فالنجاة للجميع والغرق للجميع ، وعسل ولبن الاغتراب لم يعد كما كان ، فقد أصبح الاغتراب يحمل كثيرا من الذل وقليلا من الخبز .
لم يسبق للفقر والجوع أنهما  أحدثا ثورة أو تغيير بالأنظمة ، ولم يسبق أن حدثا كبيرا في دولة متخلفة أحدث ثورة ، فبعض الأحداث مرّكب وهادف وبعضها ناتج عن الأحوال الاقتصادية والعلمية والثقافية ، فالهجوم على المركز التجاري العالمي  في الولايات المتحدة ألذي أسفر عن مقتل الآلاف لم يُنتج ثورة ، بل أنتج مرحلة جديدة من مراحل السياسة الأميركية ، لذلك كان بفعل أميركي ولأهداف أميركية بحتة ، ومن هذه الأهداف أفغانستان ، والخليج العربي ، وسورية الطبيعية .
ولم يسبق للإغتيال السياسي أن أنقذ الناس من حكم  جائر أو سلطة ظالمة ، فاستشهاد رفيق الحريري أنتج بداية خراب ما زلنا نعيشه حتى اليوم ؟
والحادثة الأخيرة ، حادثة تهديم مرفأ بيروت ، لم تُحرك قشة من مكانها ، والأبشع أن الناس حتى الآن لا تعرف من قتل الحريري ولا تعرف من فجّر  مرفأ بيرت .
فلا الإغتيال أحدث ثورة ،ولا الانفجار أسقط نظاما أو غيّر في تركيبة مجتمع أو صيغة نظام .ولا الفقر والحاجة دفعا الناس للإنخراط بشكل وازن في الحركات التغييرية . ولأننا أصحاب المصلحة النفسية والاقتصادية وجب علينا أن نقول :
لماذا لم  نطرح على أنفسنا السؤال الكبير :
لماذا حتى الآن لم تقم في كيانات سورية الطبيعية ثورة حقيقية ؟
هل لأننا لا نملك عقيدة ثورية وفكرا ثوريا ؟
هل لأننا لم نحظ بقيادات ثورية حقيقية ؟
هل لأننا لم نراكم أعمالا ومواقفا تُنتج ثورة ؟
أسئلة مطروحة تحتاج الى أجوبة صريحة وكل سؤال يحتاج جوابه عشرات الصفحات لكنني سأكتفي بالإشارات والدلالات .
من الأنصاف أن نذكر أن أول ثورة حقيقية قامت ضد الأنظمة بفكر ثوري وعقيدة تغييرية وحزب هو فكرة وحركة يتناولان حياة الأمة بأسرها هي ثورة 1949 التي أطلقها أنطون سعاده وأسماها الثورة القومية الاجتماعية الأولى لأنه لم يكن متأكدا من نجاحها لكنه كان متأكدا  من أن تراكم الفعل الثوري الذي سيليها سيُتوّجُ بنجاح الثورة . ولكن مع كل الأسف سلك الحزب مسلكا آخر، لا علاقة له بالثورة القومية الاجتماعية ولا بالعقيدة السورية القومية الإجتماعية . وفي ليلة الثامن من تموز حصل الطلاق بين النهضة والقيادات ،بعد تمهيد حصل في غياب سعاده القسري وتمظهر في اللبننة والارتباطات الخارجية والانحرافات الفكرية والعقائدية .
كان سعاد قائدا ثوريا لحزب ثوري غايته بعث النهضة وتغيير الأنظمة وتحرير الأرض .
لم يكن سعاده وحيدا بفكره الثوري وعقيدته الثورية ، لقد شهدت بلادنا ما بعد الحرب العالمية الثانية عملا ثوريا لكنها لم تشهد حالة تشبه أنطون سعادة اجتمعت فيه صفات ثلاث :
أطلق عقيدة ثورية ، أطلق نظرية جديدة الى الحياة والكون والفن ، قادة ثورة قومية إجتماعية أولى .
أما ما حصل في بعض كيانات الأمة، وجاء وصفه بالثورة ،لم يكن إلا استمرار لمفاهيم الدولة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية في بلادنا ودليلنا أننا اليوم نعيش في كل هذه الكيانات حالات التجزئة والانشقاق والطوائف والمذاهب والأتنيات .
نحن نحتاج الى مراحعة حقيقية ، خالية من الغرضية الفردية ، منكبة على الاستنتاج والتخطيط بإداك عال ووعي قومي حقيقي خال من أي زغل أو ميل فئوي .
نحتاج الخروج من الانفعال بالأحداث  واعتبارها  مؤشرات ثورية الى بعث مفاهيم النهضة الثورية في المجتمع والتي تحتاج الى الوقت الذي هو عامل أساسي لأنتصار أي ثورة أو أي قضية .
نحتاج في هذه اللحظة بالذات الى الخطاب الثوري الجامع المُرسل من قيادات ثورية باعت دنياها في سبيل إنقاذ بلادها . 
نحتاج الى معرفة طرائق تفكير الشباب وخاصة الطلبة منهم ، بسلبياتها وأيجابياتها والتحدث معهم بالخطاب الذي يؤمن لهم مصالحهم النفسية وحاجاتهم  المادية .
نحتاج الى خطاب يُصحّح المفاهيم السائدة التي يطلقها الجماعات التي تزعم أنها في مسار إحداث ثورة ، وهذا الخطاب يجب أن يكون يومي وعلى الأكثر أسبوعي يتناول أحداثا لها دلالات ويُبدي فيها رأيا لا يعتمد النقد والنقض فقط بل يعتمد أيضا الإستدلال والاستناج وبلغة يفهما جميع فئات الشعب .


سامي سماحة  

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram