"الأمازونيات".. قصة الجيش النسائي الوحيد في العالم

Whats up

Telegram

شكَّلت محاربات الأمازون في مملكة داهومي القديمة (بنين حاليًا) الجيش النسائي الوحيد في العالم، بينما يقاتل أحفادهن اليوم لاستعادة إنسانيتهن.

والأمازونيات أو محاربات الأمازون في ثقافة الشعوب هنّ من المقاتلات النساء وأول من سخَّر الحصان لأغراض القتال، كما تروي الميثولوجيا والأساطير وعلى رأسهم الميثولوجيا الإغريقية.

وسلّطت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الضوء على هؤلاء المحاربات. ونقلت عن نانليهوندي هودانو، سيدة عجوز من بنين، أن جَدَّتها كان يمكنها أن تفصل رأس رجل عن جسده مستخدمة سيفًا بشفرة منحنية، وفضلًا عن ذلك كان يمكنها تسلُّق جدار شائك، وكرَّست حياتها للدفاع عن الملك.

ووردت هذه التفاصيل، في مذكّرات المستكشفين الأجانب، لكنّهم أخفقوا في تصوير القصة كاملة.

الجيش النسائي الوحيد
تُريد نانليهوندي أن يعرف الناس المزيد عن محاربات الأمازون في مملكة داهومي، الجيش النسائي الوحيد المُوثَّق في التاريخ الحديث.

وأمضى الباحثون عقودًا من الزمن في البحث في محفوظات دول أوروبا وغرب إفريقيا لرسم صورة عنهنّ من كتابات الضبّاط الفرنسيين والتجار البريطانيين والمبشرين الإيطاليين.

بيد أن عامل الزمن والحكم الاستعماري قضيا على جزء مهم من إرث الأمازونيات: ألا وهو إنسانيتهنّ.

وقالت نانليهوندي، البالغة من العمر 85 عامًا وتُعد واحدة من آخر الأشخاص على وجه الأرض الذين نشأوا مع إحدى الأمازونيات، إن "جدتي كانت من محاربات الأمازون وكانت لطيفة. وقد ذاع صيتها بحماية الأطفال".

عام 1894، استولت فرنسا على ما يُعرف الآن بدولة بنين، وقام ضباط المستعمرات بحلِّ القوة الفريدة للمحاربات في الإقليم، وفتحوا قاعات دراسية جديدة، ولم تُذكَر كلمة عن محاربات الأمازون في المناهج الدراسية. وحتى اليوم، لا يعرف كثير من سكان بنين البالغ عددهم 12 مليون نسمة سوى القليل عن جدَّاتهم.

الأمازونيات
محاربات الأمازون وإعادة كتابة التاريخ
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي البنيني ليونارد وانتشيكون، وهو أستاذ في الشؤون الدولية في جامعة برينستون، قوله إن الفرنسيين حرصوا على عدم التعريف بهذا التاريخ، مضيفًا أنهم "قالوا إننا كنا شعبًا متخلّفًا، وأنهم يرغبون في مساعدتنا على اللحاق بركْب الحضارة، لكنهم دمَّروا فرص معرفة تاريخ النساء اللواتي لم تكنّ موجودات في أي مكان آخر في العالم".

ويعمل فريق من الباحثين البنينيين لإعادة تشكيل روايتهم. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، يقتفي المؤرخون في المدرسة الإفريقية للاقتصاد، وهي جامعة خاصّة أسسها وانتشيكون بالقرب من العاصمة كوتونو، أثر أحفاد الأمازونيات في جميع أنحاء البلاد.

ويهدفون بذلك إلى جمع الذكريات المحلية لكتاب يمكن تدريسه في المدارس، وذلك بهدف تقديم رؤية ثلاثية الأبعاد للأمازونيات الحقيقيات. ويُعتقد أن 50 امرأة فقط نجَوْن من الحرب التي استمرّت عامين مع فرنسا. وتوفيت آخرهن في سبعينيات القرن الماضي.

وقد ثبت أن العثور على أحفادهن يزداد صعوبة مع مرور الوقت. وعلى النقيض من الأوروبيين الذين لجأوا لكتابة الرسائل لتسجيل ماضيهم، كان سكان غرب إفريقيا يفضّلون الطريقة الشفوية، فينقلون القصص شفاهية من جيل إلى جيل. ولم يُوثَّق الكثير عن الأمازونيات بعد الحرب.

يقول سيرج أويتونا، الباحث في المشروع، إن هذه القصص السردية تموت بموت أصحابها، موضحًا أن "الأمازونيات كن ذوات بَأسٍ شديد، وكن يتمتعن بتأثير كبير. لكن الجميع توقف عن الحديث عنهن بعد الغزو الاستعماري".

حداثة في التاريخ الحديث
كانت مملكة داهومي، لمدة ثلاثة قرون على الأقل، قوة مهيبة في غرب إفريقيا، والتي يمكن موازنتها بإسبارطة (إحدى أشهر المدن القوية في التاريخ اليوناني).

وتحدّث الزائرون الأوروبيون عن محاربات الأمازون، وأطلقوا عليهن ألقابًا مثل الجنديات ومقاتلات ميدوسا (أسطورة إغريقية وهي رمز للقوة)، غير أن الاسم الذي علق في أذهان سكان بنين الحديثة هو الأمازونيات.

وكتب أرشيبالد دالزيل، إداري بريطاني في المنطقة، عام 1793: "مهما كانت براعة الأمازونيات بين القدماء، فهذا أمر مستحدث في التاريخ الحديث (تكوين جيش من النساء)".

ونقل الصحافي الأميركي ستانلي ألبيرن عن مسؤول فرنسي وصفه مملكة داهومي بأنها "بالتأكيد الدولة الوحيدة في العالم التي تقدم مشهدًا فريدًا لمنظمة من النساء بوصفهن جنودًا". كما أعلنت دار النشر الفرنسية "لاروس" أن هؤلاء النساء هنّ "الأمازونيات الوحيدات المعروفات لنا على مدى التاريخ".

الأمازونيات
شجاعة كبيرة في مواجهة الهزيمة
يكتنف الغموض أصل محاربات الأمازون، لكن المؤرخين يقولون إن الأمازونيات ربما يكُن متجذِّرات في عهد الملكة هانجبي، التي حكمت إلى جانب شقيقها التوأم في أوائل القرن الثامن عشر واحتفظت بحاشية من الحارسات الشخصيات.

وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت مملكة داهومي تتباهى بامتلاكها الآلاف من القوات النسائية في سعيها للتفوّق على الممالك المنافِسة. وبدأت الأمازونيات بالتدريب في مرحلة الطفولة على استخدام الشفرات، وتحميل بنادق فلينتلوك، وتسلّق الحواجز الشائكة. وكنَّ يشربْنَ البراندي المستوردة، ويُرددْن أغاني الحرب.

وانتهى هذا التقليد مع الغزو الفرنسي للبلاد. وكتب جنرال فرنسي أن النساء "قدَّمن دليلًا على شجاعة كبيرة للغاية في مواجهة الهزيمة".

وعندما اندلعت الاشتباكات، كان من المعروف أن المنتصرين يجبرون أعداءهم على العمل أو يبيعونهم في تجارة الرقيق. ويقدر المؤرخون أن ما يقرب من ألفين من محاربات الأمازون لقَيْن حتفَهُن في المذبحة، فيما اندمجت الـ 50 ناجية في الدولة الجديدة. ولم يبق من أثرِهن سوى القليل في أبومي، العاصمة السابقة للمملكة.

كما زُيّن قصر الملك جليل بلافتات لأمازونيات يحملن بنادق ويتشاجرن مع الرجال ويمسِكن برؤوس مقطوعة. كذلك تُدلّل لافتة صدِئة في أحد شوارع المدينة الزائرين أن كنيسة كاثوليكية بُنيت على أراضي معسكر سابق لمحاربات الأمازون.

نافيفوفو.. العارفة بحقوق الإنسان
تحكي نانليهوندي في اجتماعات مجتمعية عن جدتها، نافيفوفو، المُحاربة التي أعدَّت حساء البامية للأطفال الجياع. وتروي لهم أن جدتها الطويلة والنحيلة حطَّت رحالها في قرية نانغهوي بعد الحرب، وكانت تعمل في حصد زيت النخيل مقابل المال، قبل الزواج من جد نانليهوندي. وأقام الزوجان في منزل من الطوب، حيث يعيش أقاربها اليوم.

وتقول نانليهوندي وهي جالسة على باب ذلك المنزل: "وظيفتي هي أن أُبقي سيرة جدتي حيَّة. وأنا واحدة من العجائز في هذه القرية، لذا فإني منوطة بتعليم الشباب تاريخهم".

وكانت نانليهوندي في سن المراهقة عندما ماتت جدتها المحاربة. وتتداعى الذكريات عندما تشتم رائحة توابل الخردل، فقد كانت الجدة نافيفوفو تطبخ لأطفال الحي، وكانوا يقصدون منزلها مسرعين عندما يواجهون أي مشكلة.

وقالت مبتسمة: "لم يكن آباؤهم يجرؤون على ضربهم في منزلها. حتى قبل أن نبدأ الحديث عن حقوق الإنسان، لم تكن نافيفوفو لتسمح بذلك. كان الجميع يعلم أن السيدة العجوز ستفوز في أي نزال".

الأمازونيات
أدانا والحنين لساحات المعركة
أما أدانا، محارِبة أخرى، فكانت تحنّ لساحات المعارك. أخبرت أدانا أحفادها بأن الأعمال المنزلية لا تروق لها، وأنها تفضّل نصب الكمائن للأعداء. وكانت تُقاتل بيديها العاريتين (دون سلاح)، وهما سلاحها المفضل؛ إذ يستغرق إعداد البندقية وقتًا طويلًا.

تقول حفيدتها، أيبيلي دهوي، البالغة من العمر 72 سنة: "أخبرتني كيف كانت تخنق خصومها، مستخدمة أظافرها الطويلة". لقد حوَّلت أصابعها إلى مخالب.

اعتقدت أدانا أن المعارك علمتها دروسًا في الحياة، مثل تعلّم الصبر والهدوء والتصرّف بطريقة مدروسة.

وعلَّمت الأمازونيات أحفادهن الدفاع عن النفس بعد بلوغهم سن الرشد. ذات يوم، وجدت إيبيلي نفسها في سجال مع إحدى النساء في السوق، فقامت بضربها بوعاء من السيراميك.  قالت: "كان بإمكاني الهرب، لكن جدتي علمتني الدفاع عن نفسي".

ياكيتو.. وامبراطوريتها الزراعية
لم يكن في قرية ديتوهو أي تبغٍ قبل ظهور الأمازونيات. وبعد أن نجت من المعركة مع فرنسا، رفضت ياكيتو الأدوار القائمة على النوع، فقد ترفَّعت عن الأعمال المنزلية التي عادةً ما تتحمّلها النساء؛ وذلك بُغية التركيز على تكوين إمبراطوريتها الزراعية.

وعرفت ياكيتو مكان العثور على النبتة اللازمة للتدخين. وهكذا رحلت إلى هناك لإحضارها. وقال حفيدها داه ديجيكا ديجبو، البالغ من العمر 73 عامًا: "لقد كانت مغامرة للغاية".

وكان ديجبو صغيرًا عندما ماتت جدته، لذا فإن ذكرياته عن ياكيتو باهتة. لكنه يتذكر نشأته بفخر: "تزوج جده من محاربة، وتحوّل كيس بذور تبغَها الخاص إلى تجارة توظِّف نساء أخريات. وتعمل حفيدة ديجبو في التجارة ذاتها. وقال: هذا هو إرثها".

وبذلت ياكيتو جهودًا مضنية لتحْمل بطفل، لذلك شيَّدت الأسرة معبدًا خرسانيًّا قربانًا للآلهة على مشارف المدينة طلبًا للإنجاب. ولكن لما فشلت ياكيتو في الإنجاب، حوَّلت تركيزها إلى توجيه الفتيات.

وفي هذه الأيام، غادرت الشابات اللاتي يعشن مع ديجبو القرية إلى العاصمة، بحثًا عن فرص عمل أفضل. وينسب ديجبو الفضل في ذلك إلى تأثير الأمازونيات فيهن.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram