الاردن إنقلاب أم إستباق لشيء أخطر؟

الاردن إنقلاب أم إستباق لشيء أخطر؟

Whats up

Telegram

كتب سامي كليب في موقع 5 نجوم

تابعتُ حتى فجر الليل الفائت غُرّفاً أردنية كثيرة انتشرت عبر تطبيق clubhouse كالنار في الهشيم لمتابعة ما قيل إنه إفشال لمحاولة إنقلاب  وإن الأمير حمزة قد يكون مرتبطا من قريب أو بعيد بها. ورغم المعلومات الكثيرة التي سمعتها عن المآسي الإقتصادية في الأردن والتي تُشبه الكثير من مآسي شعوب عربية أخرى حاليا ، الاّ أني شعرتُ بقلق الأردنيين العميق أكثر من أي شيء آخر. ليس لأنهم لم يعرفوا تماما ما حصل بسبب قلة المعلومات الرسمية، وإنما بقلقهم  جميعا على بلادهم، كما أن تعبيرهم عن هذا القلق بقي مُغلّفا بثوب الإحترام وإستخدام كلمات أنيقة وأسلوب دمث حتى حين كان بعضهم ينتقد بشدة السلطة القائمة.

السلطة قالت ما ينبغي قوله من وجهة نظرها، فقالت ان البلاد نجت من أمر خطير،  وضيّقت الحركة على الأمير حمزة وسرّبت المعلومات التي تفيد بتورط مسؤولين سابقين ( وربما حاليين) بما حصل، ولعلها تحتفظ بأشياء كثيرة أخرى لوقت أخر خصوصا اذا ما تبين أن ما حصل كان فعلا خطيرا وكانت دول متورطة به وان بعض المتهمين هم على علاقة مع دول أخرى . والأمير رد بما ينبغي الرد به من وجهة نظره من أن لا علاقة له بأي انقلاب وانه لن يلتزم بالإجراءات، ودخلت والدته الملكة السابقة نور على الخط لتطالب بتحقيق شفاف وعدالة.

لكن كل ذلك لم يُشف بعد غليل الناس، في الأردن وفي الدول المهتمة بشؤونه حتى ولو أن التعاطف العربي والدولي كان كبيرا وداعما للملك عبدالله الثاني. فأهل الأردن كما المتابعون لهم أو المحبون، يطمحون الى معرفة كل التفاصيل، فهذه قضية كبيرة جدا، وقد تكشف ملفات خطيرة، وتشابك مصالح وتعقيدات في هذا الزمن ذي الحساسية البالغة.  وثمة من يشكك بأن كل ما حصل قد يكون مُفبركا. لذلك فسيكون من الأهمية القصوى تقديم رواية متكاملة وموثّقة ومدعومة بالأدلة.

قلقُ الأردنين تُبرّره عوامل كثيرة، فأذا كان  مسؤول سابق في الاستخبارات الاسرائيلية اتصل بزوجة الأمير حمزة عارضا عليها المساعدة بمغادرة البلاد ومبررا ذلك بعلاقات شخصية مع عائلة الأمير، واذا كان الكاتب الصهيوني المُتطرف وذو الأصل اليهودي اللبناني إيدي كوهين قد سرّب الخبر قبل حدوثه بثلاثة أيام وكتب في يوم كذبة نيسان:” إن ثمة  معلومات من الاردن عن نية اخ ملك الاردن غير الشقيق،حمزة ابن نور  ليصبح ملكا”، واذا كان الخبر الأول عن الأعتقالات وعمّا قيل إنه أقامة جبرية للأمير حمزة جاء من الصحيفة الأميركية الواشنطن بوست، فإن هذه الأمور تطرح مليون علامة استفهام عن دور اسرائيل وأدوار دول متحالفة معها مهما سارعت الى التبرير.   

لكن لا بُدّ من وضع الأمور في نصابها الصحيح كي نفهم لماذا اهتز الأردن وماذا يجري فعلي، فلو كانت الأمور جميعا بخير، لربما كان وقع الصدمة أقل على الناس  :

·     أولا وضع الأردن الأقتصادي والإجتماعي الصعب :

1-  الدين العام يتراوح بين 40 و50 مليار دولار، أقل من نصفه بقليل داخلي.   أي أن إجمالي الدين العام الخارجي للأردن يمثل ( وفق صحيفة الغد المقرّبة من العرش) 96.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر للعام 2020. لكن وزير المالية محمد العسعس أكد  قبل أيام ان الإنكماش الإقتصادي الذي بلغ نسبة 3 بالمئة في العام الماضي سيُفسح في المجال أمام نمو يفوق 5،2  في العام الحالي.

مع ذلك لم يشعر الناس كثيرا بأي تغيير، حتى بعد أن ضخ البنك الدولي 8 مليارات لمواجهة كورونا وبعد أن جاءت مساعدات من الخارج.  وفيما سعى الملك عبدالله الثاني في الأسبوع الماضي لاحتواء غضب الناس في مستشفى السلط بعد فضيحة الموت بسبب كورونا، أعلنت الحكومة عن سلسلة تحفيزات اقتصادية   حتى نهاية العام الجاري لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، بكلفة 448 مليون دينار أردني، تشمل توفير 14 ألف فرصة عمل والمحافظة على 100 ألف فرصة قائمة في القطاع الخاص، وضبط اﻷسعار في شهر رمضان.

كان الهدف واضحا، وهو تهدئة النفوس الغاضبة. لكن ماذا لو كانت دول عربية من التي تساعد الأردن متورطة في ما قيل ؟؟؟ هل تكشف عمّان ذلك، ام تطوي الملف منعا للإحراج؟  

2- الشركاء الأقتصاديون للأردن هم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات  والعراق والهند والصين. يُشكّل الخليج تقريبا 30 بالمئة من الصادرات الأردنية ، وتتوازى تقريبا الصين والسعودية في الواردات بنسبة 14 بالمئة، لتأتي بعدها أميركا ثم الأمارات فدول اوروبية. ساعدت الدول الخليجية مرارا الأردن للوقوف من كبواته، لكن يبدو أن كل هذه المساعدات لم تصل الى مستوى ما ينقذ فعليا الأقتصاد… ثمة أردنيون يقولون إن المطلوب من الأردن سياسيا كبيرا قبل المساعدات الفعلية.

3- جاءت جائحة كورونا لتفاقم الوضع الإقتصادي والإجتماعي المعقّد، ولتضاف الى مشكلة النازحين السوريين حيث أن الأردن ولبنان هما أكثر دول العالم استضافة للنازحين قياسا بمساحة الدولتين وعدد سكانهما.  

هذا يعني أن الأردن بلا مساعدات خارجية لا يستطيع أن يعيش، وأن ينتعش اقتصاديا. وهذه بحد ذاتها كارثة .  

·     ثانيا الإطار الإقليمي:

1- : لم  يخفِ بنيامين نتنياهو فكرته بتحويل الأردن الى وطن بديل حيال الذين ينوي تهجيرهم من الضفة الغربية. هو قال هذا الكلام صراحة أكثر من مرة وسجّله للتاريخ في كتابه “مكان بين الأمم” بقوله    :” إن ارض اسرائيل الانتدابية كبيرة لدرجة تجعلها قادرة على استيعاب دولة يهودية صغيرة هي اسرائيل، ودولة اكبر لعرب فلسطين، تلك التي تدعى الاردن، وبالتالي فهناك حل للنزاع بين الشعبين، يتمثل باقامة دولتين: الاولى يهودية للشعب اليهودي المقيم غرب الاردن، والثانية عربية للشعب العربي الذي يقيم معظمة شرقي النهر .. ان القول بان الاردن هو الدولة الفلسطينية انما هو تعريف لوضع قائم فعلا ، وبالتالي فهو ليس دعوة للقيام بأية عملية ولا لاستبدال نظام الحكم في هذه الدولة”.

لنتذكر أنه في ألاسبوعين الماضيين حصل توتّر شديد بين الأردن وإسرائيل حين منعت عمّان طائرة نتنياهو من عبور أجوائها وذلك ردا على الغاء ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله زيارته للمسجد الأقصى   على اثر خلافات حول الترتيبات الامنية وبسبب الصلف الأسرائيلي . كما أن نتيناهو رفض نصائح قادته العسكريين بتزويد الأردن بما يحتاجه من مياه فأعربوا عن قلقهم من توتير الوضع عند الحدود لهذا السبب.

وفي أواخر العام الماضي كتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية ان ملتقى دافوس العالمي تحوّل الى ” ساحة مواجهة فعلية بين العاهل الأردني ونتنياهو”.  وقد شعر نتيناهو بأن الأردن يُمارس عليه ضغوطا كبيرا قبل وخلال الانتخابات بغية المساهمة بإسقاطه.

2- الذي يضع علامات استفهام كثيرة بشأن إسرائيل، هو مسارعة الاعلام الإسرائيلي ( خصوصا يديعوت احرونوت) الى إتهام ولي العهد السعودي وأحد قادة الإمارات بالتواصل مع مقرّبين من الأمير حمزة لتنفيذ الإنقلاب. ثم تسريب معلومات عن اتصالات بين أحد الضباط السابقين للموساد بزوجة الامير حمزة.  فهذا دأب إسرائيل ، بحيث أنها إما تكشف عن محاولة انقلابية  للحصول على ثمن ( وهو ما فعلته تاريخيا مثلا حين أقنعت الملك المغربي الراحل الحسن الثاني بأن المناضل اليساري المهدي بن بركه يسعى للإطاحة به )، أو أنها تشوش المشهد عبر ضخ معلومات متناقضة.

      وقد ذهب بعض إعلامها الى التذكير بالفتور بين دبي وعمّان والقول ان ثمة غضب على الملك بعد الضجة التي أثيرت في أعقاب هروب شقيقته من زوجها الشيخ محمد بن راشد وما أعقب ذلك من اجراءات في بريطانيا.

من الصعب تصديق أي رواية اسرائيل تتعلق بالأردن أو غيره، ذلك أن التاريخ غالبا ما كان يكشف أن هدف التسريب هو كل شيء سوى مصلحة الطرف الآخر غير الاسرائيلي.

ليس جديدا القول ان العلاقات الشخصية بين الملك الأردني عبدالله الثاني ونتنياهو فاترة جدا إن لم نقل سيئة، وليس جديدا القول كذلك أنه في أوج نشوة صفقة القرن عند كثير من الأنظمة العربية، كان الأردن الأكثر قلقا من هذه الصفقة على داخله ذي الحساسية البالغة ديمغرافيا وسياسيا. ( لحسن الحظ أن صاحب الصفقة غادر البيت الأبيض لكن مفاعيلها خصوصا في القدس مستمرة، ونعلم علاقة الاردن الوطيدة بالقدس والضفة).

·     ثالثا الفساد والنقمة :

الأردن كما لبنان ودول عربية كثيرة، مُبتلٍ بالفساد، وهذا الفساد يخترق كل الجسد الأردني تقريبا، وهو ما فاقم نقمة الناس مرارا، فتظاهروا كثيرا، ورفعوا شعارات طالت العرش، وتم تسليط الضوء على شخصيات رفيعة أكثر من مرة. ولم يتردد كبار مسؤولين سابقين في العرش نفسه من انتقاد الأوضاع والتحذير من توظيف ذلك لتمرير صفقة القرن ( طاهر المصري مثلا المعروف بنزاهته وحرصه على العرش ومن فيه)، كذلك فعل عدد من النواب خصوصا الرافضين منهم للتطبيع، وهو ما قاله أكثر من مرة اسلاميون ومن بينهم مثلا نقيب المهندسين السابق ليث شبيلات بكلام قاسٍ جدا.  

يبدو أن الوضع بلغ بعد جائحة كورونا ذروته من النقمة الشعبية، ذلك أن  الفقير لا ينظُر حين يزداد فقره الا لمن هم في السلطة. لم ينفع التغيير الدائم للحكومات بوقف هذه الآفة التي تحتاج الى استراتيجية عميقة وحقيقة لتوقف سنوات طويلة من الهدر، وهي آفة على ما يبدو مُشتركة في الكثير من الدول العربية .

·     رابعا : الأمير حمزة .

لقد تم تسليط الضوء على الأمير حمزة . وصار إسمه في دقائق معدودات أحد أكثر الأسماء تداولا منذ يومين في الإعلام العالمي ووسائل التواصل. وبات الخبر الأول. الأمير حمزة مثقف وذكي كان في طليعة الطلاب أثناء دراسته، وهو يُتقن العربية والأنكليزية وقريب من الناس والعشائر ويقال إنه كان المفضّل عند والده، ويقال كذلك إنه أخذ  من الملك الراحل حسين الكثير من دماثة أخلاقه في التعاطي مع كل قطاعات المجتمع وإحترامه للكبير والصغير، كما أن لغته العربية الممتازة واتقانه بطبيعة الحال للهجة المحلية ساعداه في كسب تعاطف كثيرين.

قد تميز الأمير حمزة ( الذي يعتبر نفسه شرعيا أيضا للعرش) بإنتقاده للسلطة وتسليط الضوء على الفساد والإقتصاد وغيرهما. هذا أمر نادر الحدوث من قبل أحد الأمراء. وهو ما عزّز شكوك البعض بأن تكون دول خارجية تُراهن عليه ليكون البديل اذا ما تفاقمت الأوضاع. وكانت مروحية الدول المعنية كبيرة بعضها عربي وبعضها دولي وبينهما إسرائيل نفسها.  لكن أي  محاولة إنقلاب في الأردن بحاجة الى قرار دولي ودعم عربي وتأييد من الجيش والجزء الأكبر من العشائر، وذلك  نظرا لولاء الجيش وكثير من العشائر وكل الأجهزة الأردنية للعرش، ولذلك لم تحصل سابقة لإنشقاقات في العرش الأردني حيث العائلة صغيرة وليست كعائلات العرش السعودي مثلا.

ولذلك فالإسئلة المطروحة حاليا هي التالية :

·     هل كانت ثمة محاولة انقلابية فعلا، أم حصلت حركة استباقية شملت اعتقال مسؤولين كبار ؟ وفي الحالتين من سرّب المعلومات، وكيف ومتى ؟ وهل ستقدّم السلطة الرواية الكاملة، أم تترك بعضها لمفاوضات تحت الطاولة منعا للإحراج.؟  

·     هل ما حصل هو شأن داخلي فقط، أم أن ثمة اصابع خارجية  عربية أو دولية أراد العرش تقليمها قبل أن يتوسع دورها. فكيف حصل على المعلومات وممن؟ صحيح ان الاستخبارات الاردنية تُعتبر أفضل استخبارات عربية ، لكن هل تكفي للكشف المسبق؟

·     هل الأمير حمزة متورط فعليا، حتى اتخذت بحقه اجراءات واضطر لتسريب تسجيل مصور ينفي أي نية للانقلاب ويشجب الفساد وأوضاع البلاد والعباد، أم أن ما حصل يُراد منه تقزيم دوره قبل أن يتوسع ويصبح مهددا؟ ويُراد منه ايضا أن يكون درسا للآخرين.  

·     هل ما حصل سيُضعف الملك عبدالله أم سيسمح له بتدعيم عرشه من خلال جذب تعاطف معه (خصوصا بعد أن جدد الحصانة العربية والدولية الآن)، والإفساح في المجال أمام إجراءات ضد المعارضين.

.   والسؤال الأهم : ما هو الموقف الحقيقي لواشنطن غير الذي أعلنته؟ 

لا شك أن سرعة الشجب العربي والدولي لما حصل، والتأييد الكبير للعرش الأردني واستقرار البلاد، يفتحان الباب لأحتمالين، فإما ان هذه الدول حريصة فعلا على الأردن، أو أن بعضها ينطبق عليها المثل القائل :” كاد  المريب أن يقول خذوني”. فالأردن كان وما يزال هدفا لأي مشروع اقليمي أو دولي يريد تغيير الخرائط ورسم خطوط جديدة، صحيح أن عمّان طبّعت مع اسرائيل منذ العام 1994 وأن علاقتها بها قديمة وفق ما كشف الملك حسين نفسه في مذكّراته لكن الصحيح أيضا، أن التطبيع شيء، والتضحية باستقرار البلاد ودورها شيء آخر وهذا ليس مقبولا من أي أردني.  

والأهم من كل ذلك، أن ما حصل، ينبغي أن يضع السلطة الأردنية أمام مُراجعة جدية للسياسات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية، ذلك أن البلاد توحي منذ سنوات فعلا بأنها على برميل بارود. وفي بلد محكوم جغرافيا بكل التناقضات، فثمة كثيرون في الداخل والخارج يريدون تفجير هذا البرميل في اي وقت.

 ربما الناس صاروا بحاجة لشيء جذري، أكثر من وعود حكومات تسقط تباعا دون أن تنفذ الكثير من الوعود. قد نعرف لاحقا ما اذا كان في ما حصل أنقلابا فعليا أم لا ، لكن  كلَّ شيء كان يفرش السجاد الأحمر أمام إنقلاب أو ثورة تُشبه ما حصل في دول عربية كثيرة.

حمى الله الأردن وكل دولة عربية من مآزق الداخل وأطماع الخارج في زمنِ رسمِ خرائطَ كثيرة وغيابٍ عربي فاضح عن المشاركة في القرار.

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram