دعم واشنطن المتجدد لرياض سلامة ... الهندسة السياسية للانهيار المالي

دعم واشنطن المتجدد لرياض سلامة ... الهندسة السياسية للانهيار المالي

Whats up

Telegram

 

علي عبادي
عندما نشرت وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية الأميركية الشهر الماضي خبراً مفاده أن الولايات المتحدة الأميركية تدرس فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ظل تحقيق بمزاعم اختلاس أموال عامة، ظنّ كثيرون في لبنان أن نهاية موسم الرجل الذي يشرف على تحريك أموال البلد قد اقتربت. وعلى رغم أن خبر الوكالة استند الى "أربعة مصادر مطلعة"، لكنه أشار الى ان إجراءً كهذا ليس وشيكاً، مما أعطى انطباعاً بأن الظروف لم تنضج بعد لإخراج سلامة من المشهد المركزي لمالية لبنان. وسرعان ما بددت الخارجية الاميركية التكهنات بهذا الشأن، معتبرة أن التقارير عن درس فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان المركزي "غير صحيحة". فما الصحيح إذًا؟

جاءت زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الى لبنان هذا الأسبوع ليس فقط لتبعد شبح العقوبات الأميركية عن حاكم مصرف لبنان الذي يقف حجر عثرة في وجه التدقيق المالي الجنائي بذريعة السرية المصرفية، بل لتضفي نوعاً من المباركة عليه بشكل أو آخر. وفي مبادرة رمزية لها دلالتها وسط الجدل اللبناني حول دور سلامة في إعاقة التدقيق المالي، زار هيل رياض سلامة في منزله في كسروان، وتناولا طعام الغداء على مائدة الثاني بمشاركة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الأمر الذي يؤكد أن "الخبز والملح" بين حاكم المصرف المركزي والدوائر الأميركية التي يتعاون معها لم يُنسَ بعد. وهذا يعيدنا الى النظرة الأميركية الأساس الى دور سلامة في لبنان والتي عبّرت عنها السفيرة شيا في حزيران/ يونيو 2020 في ذروة الازمة المالية المصرفية اللبنانية عندما أكدت أن الولايات المتحدة عملت بشكل وثيق مع حاكم مصرف لبنان، وانه "يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي"، معتبرة أن "من الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسّسة أو جعلهما كبش فداء للانهيار الذي هو نتيجة عقود من الفساد"، رافضة ضمناً الدعوات الى إقالته على اعتبار أنه يمثل جواز عبور ضرورياً "للاستثمار أو النقد الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان".

وزني: حاكم المركزي لا يتعاون في تسليم كل ما هو مطلوب للتدقيق المالي
وتأتي جرعة الدعم الاميركية لرياض سلامة برغم حاجة لبنان الماسة الى الكشف عن مخابئ الفساد المالي التي قادت البلد الى انهيار غير مسبوق ويوشك أن يهدد كيانه السياسي والمجتمعي. واتضح مؤخراً على لسان وزير المال غازي وزني أن حاكم المركزي لا يتعاون في تسليم كل ما هو مطلوب للتدقيق المالي. ويأتي هذا الدعم الأميركي كذلك برغم تقرير تلقته الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا من مؤسسة قانونية في لندن، يتهم حاكم مصرف لبنان المركزي وشركاء له بغسل الأموال وممارسات فساد. ويضاف ذلك الى التحقيق الذي يجريه القضاء السويسري في شبهات جنائية عن دور لسلامة في غسل أموال تقدر بأكثر من 300 مليون دولار وتحويلها من لبنان الى الخارج خلال العام الماضي.

التلويح السابق بفرض عقوبات على سلامة هو لضمان عدم تفلته وخروجه من قواعد اللعبة المرسومة أميركياً
جميع هذه الشبهات قد تدفع أي شخص في موقع مالي مركزي الى الاستقالة أو الخضوع طوعاً لمتطلبات تحقيق مستقل من أجل تبرئة ساحته، اذا كان بريئاً، غير ان رياض سلامة لا يفعل. كما ان هذه المؤشرات كافية لهز الثقة الخارجية به ودحض مقولة شيا انه يشكل عامل ثقة لتدفق استثمارات أو أموال الى لبنان، لكن واشنطن لا تستجيب لهذه التقديرات. وهذا يشير الى ان واشنطن لا تريد حسم هذا الملف لإراحة لبنان، بل انها تواصل توظيفه في إطار معركة سياسية لتطويع لبنان من أجل تحقيق أهداف العقوبات التي فرضتها على البلد وساهمت في تسريع فرط وضعه المالي. وقد يضاف الى ذلك أن التلويح السابق بفرض عقوبات على سلامة هو لضمان عدم تفلته وخروجه من قواعد اللعبة المرسومة أميركياً، وصولاً الى النهاية التي تنشدها. ويبدو أن لسلامة دوراً لم يتبدل أو ينتهِ في المعركة الجارية لإخضاع لبنان للشروط الاميركية.

وبتعبير أوضح، تريد واشنطن من خلال الدعم المتجدد لرياض سلامة أن لا يستسلم في منتصف المعركة من خلال التفكير بالاستقالة أو ما شاكل، كما انها أرادت من التهديد المسرَّب السابق بفرض عقوبات عليه أن تبقيه ضمن نطاق أدواتها الضاغطة على الوضع المحلي. وهذا يعني تالياً أن الإدارة الأميركية الحالية لا تزال تواصل نهج الإدارة السابقة في حماية بعض الرموز المشتبه فيها في لبنان، ولا تريدهم أن يُخلوا الساحة لآخرين قد لا يكونون مضمونين لطلباتها أو محلاً لثقتها.    

يحيلنا مسار الوضع الحالي بكل تشعباته الى رأي تتبناه جهات خبيرة ويفيد بأن الانهيار الاقتصادي في لبنان، علاوة على أسبابه المحلية المعروفة من فساد وهدر، كان نتيجة "هندسة سياسية" كبرى أدارتها الولايات المتحدة بمشاركة حلفاء لها في الداخل والخارج من أجل تطويع البلد لمخطط التطبيع المرسوم حيث يصبح رفع لبنان من لائحة العقوبات والسماح بتدفق أموال إليه مرتبطاً بموافقته على السلام مع "اسرائيل" وفق النموذج السوداني، وكذلك إجبار لبنان على التخلي عن حقوقه النفطية والغازية في مياهه الاقليمية الجنوبية، إضافة الى هزّ شباك حزب الله في الصميم. وهذا التصور يستند الى ان التخريب الاقتصادي سياسة تعتمدها الولايات المتحدة في بلدان عدة مستخدمة أدوات بعضها محلي وبعضها الآخر من الخارج، وصولاً الى توفير الظروف الناضجة لـ "حلول" ترتئيها.

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram